الوهابية: مقالة نقدية


إسم الكتاب : الوهابية: مقالة نقدية
إسم المؤلف: الأستاذ الدكتور حامد ألـغـار
المترجم: الدكتور عباس خضير كاظم
الناشر: دار الجمل، ألمانيا، 2006


صدر عن دار الجمل بألمانيا(2006) كتاب الوهابية: مقالة نقدية للمفكر الأستاذ حامد ألـغـار. وقد قام بنقله إلى العربية الأستاذ عباس كاظم. والمؤلف أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا – بيركلي منذ عام 1965. ولد في إنكلترا عام 1940 ودرس في جامعة كامبردج، إذ حصل منها على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 1965. بعد أربعين عاما من العمل الدؤوب، تمكن الدكتور ألـﮕــار من أن يصبح واحداً من أهم مراجع العلم الرصين في مجال الدراسات الإسلامية في الغرب.
أما المترجم الدكتور عباس خضير كاظم فهو عراقي الأصل، ولد في العراق عام 1966 وتلقى دراساته الأولية في مدينتي بابل والكوفة. حصل على البكالوريوس من جامعة الموصل، ثم شهادة الماجستير من جامعة ولاية كاليفورنيا في سان فرانسسكو عام 1998 و الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة كاليفورنيا – بيركلي عام 2006.
يتناول كتاب الوهابية:
مقالة نقدية قصة نشأة الوهابية، إنه بحث في التاريخ والعقائد المتعلقة بالوهابية، كما أنه تقييم لأهميتها حالياً. يلاحظ المؤلف بدءاً عاملين أتاح للوهابية الانتشار. الأول ظهورها في جزيرة العرب على بمقربة من الحرمين المقدسيْن في العالم الإسلامي، والثاني كما الثروة الهائلة التي وظّفها السعوديون لترويج الوهابية في العالم الإسلامي و خارجه بغير هذين العاملين ما كان للوهابية أن تنتشر ذلك الانتشار، ولكانت انتهت كحركة طائفية هامشية.
تسلط الدراسةُ الضوءَ على طبيعة الفكر الوهابي لتنتهي إلى أنه فكر هامشيّ ومتطرف. ولذلك كانت هناك حركة فكرية مضادة لها أخرجتها من نطاق الإسلام. غير أن التغيرات اللاحقة جعلتها تندرج شيئاً فشيئاً في المذهب السني الذي يرى المؤلف أنه صار عنواناً فضفاضاً لا يعني سوى "غير الشيعي".
في الكتاب نظرة تقييم للمعتقد الوهابي، نظرة تحاول أن تستشرف ماضيها وحاضرها، والأفق الذي وصلت، وهي ماضية، إليه. من جهة أخرى، يعرّي الكتاب الأسس الهشّة لهذا المعتقد المتصلب الذي لا يقيم أيّ اعتبار لوجهات نظر الآخرين، ولمعتقداتهم وأفكارهم. ولذا يهجم الكتاب على هذه الأسس ليبيّن مدى هشاشتها، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر بصددها من طرف أولئك الذين تبنوها خياراً وحيداً صحيحاً وحقّاً مقابل جمهرة من الكفّار من شتى الأنواع. يشكّل الكتاب مطلباً ملحّاً هذه الأيام، بعد أن فرّخت الوهابية حركات أصولية متشددة رفعت السلاح بوجه العالم أجمع، وأباحت قتل كلّ من هو غير وهابي، وتدمير كلّ ما هو غير وهابي. إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى مواجهة الأفكار القاتلة التي تنطوي عليها الوهابية بعد أن مكّنت ظروف العالم الإسلامي السيئة سياسياً وفكرياً واقتصادياً واجتماعياً، مكّنت الوهابية من استقطاب اليائسين نحوها لتحشيدهم وحشوهم بالمعادل المادي للفكر الوهابي: الديناميت.
ثمة قدرة فذّة يتمتع بها مؤلف الكتاب؛ ألا وهي إيجاز أفكار الوهابية وأفكاره بصددها بطريقة لا تخلّ بالمضامين الحقيقية للأفكار كلها، كلّ ذلك يجيء مقروناً بوضوح تعبيري يقرّب الحديث إلى القارئ، ويضع نصب عينيه الأفكار متجسدة وجلية؛ وذلك يخدم الغرض الأساسي من الكتاب: مواجهة الفكر بالفكر. أما مترجم الكتاب فقد بذل جهداً طيباً في صبّ كلّ تلك الأفكار ببيان عربي سلس يُنسيك أن الكتاب مترجم عن الإنجليزية.
لعلّ من النافع هنا تثبيت مقدمة المترجم للكتاب، وهي تكفي لاستجلاء فحوى الكتاب وأهميته:
يستعرض المؤلف ثلاثة جوانب أساسية بشأن الوهابية. فهو أولاً، ووفقاً لعادته الرافضة للحشو والإسهاب، يتعرض بإيجاز لثلاث مقولات تتعلق الوهابية فيرفضها جملةً وتفصيلاً. أول هذه المقولات هي تلك التي روجتها الوهابية ذاتها وتتعلق بادّعائها احتكار صفة الإسلام في ذات الوقت الذي تتهم فيه بقية المسلمين بالشرك والجاهلية. المقولة الثانية تنبع من الفكر الاختزالي لبعض الكتّاب، وخصوصاً الغربيين منهم، فهم الذين توهموا وأوهموا من تبعهم بأن الوهابية حركة تنتمي لمذهب أهل السنّة، أو أنها تمثل الشطر المتشدد ضمن ذلك المذهب. فالمؤلف يستشهد هنا برفض علماء أهل السنّة لهذا الرأي، بالإضافة إلى الفوارق الشاخصة بين الطرفين، والتي ليس من الممكن إغفالها. أما المقولة الثالثة فقد تكون من أهم المغالطات بشأن الوهابية؛ إذ يدّعى خطأً – كما يقول المؤلف – أنّ الوهابية قد فتحت الطريق لحركات الإصلاح في العالم الإسلامي من الشرق إلى الغرب. فهو يرى أنه "من الخطأ أيضاً أن تحسب الوهابية حركة إصلاحية منذ نشوئها"، وإنما هو يرى في الوهابية "استثناءً أو انحرافاً، بل وربما شذوذاً" عن مسيرة الفكر الإسلامي الغني بتنوعه وسماحته عموماً.
في الجانب الثاني يستعرض المؤلف سيرة مؤسس الحركة الوهابية، محمد بن عبد الوهاب، والعوامل التاريخية التي رافقت نشوء الحركة وتطورها من مجرد فكر "شاذ"، ابتلي به رجل واحد، إلى كيان سياسي ساهم ولا يزال يساهم في تشويه صورة الإسلام والمسلمين أينما وصل نفوذه. ليس هذا لمجرد كون جمهور الكتاب من الغربيين الذين يفتقرون إلى خلفية تاريخية عن الحركة، ولكنّ لأنّ مؤلفه قد حاول أيضاً من خلال السرد التاريخي الموجز هذا أن يقدم تفسيراً للظاهرة الوهابية في سياقها التاريخي. فهو لذلك لم يشغل نفسه كثيراً بالتفاصيل التاريخية المثيرة للفضول، وما أكثرها في هذا المجال، بل تعدى ذلك كله إلى الحوادث التي تضع النقاط على الحروف.
الجانب الثالث والأخير يستعرض الوجود المعاصر للوهابية في العالم الإسلامي وفي الغرب والصراع الدائر بين التحالفات القديمة التي مكنت الوهابية وحلفاءها التقليديين من الوصول بكيانهم إلى ما لم يكونوا ليبلغوه لولا تحالفهم هذا. في هذا القسم من البحث، يجد القارئ استعراضاً لمحاولات لا هوادة فيها من أجل ترويج الوهابية في العالم الإسلامي وخارجه، عن طريق إنفاق الأموال بسخاء منقطع النظير، وكذلك بواسطة تحالفات مع جهات عديدة في الأوساط الأكاديمية والطلابية والسياسية.
ثمة كلمة لابدّ منها بشأن النص الأصلي الذي أعدت عنه هذه الترجمة. فأسلوب الدكتور حامد ألـغـار ولغته أشبه ما يكونان بمزيج من لغة الفرزدق وأسلوب المتنبي. فكما كان الفرزدق "ينحت في صخر"، كذلك هي لغة مؤلف هذا الكتاب. فهو من أكثر المؤلفين اقتصاداً باللغة، حتى لتكون جملته مؤدية لمعنى قد يحتاج غيره إلى جمل كثيرة من أجل أداء الغرض ذاته. أما أسلوبه فهو تركيبة سحرية من التهكم والجد والنقمة والتفاؤل والتجرد والعاطفة معاً وفي آن واحد. فمثلما ترك لنا المتنبي الكثير من معانيه بين السطور، هكذا يكتب مؤلف هذا الكتاب وأمامه متلقيان، أحدهما لا يرى غير سواد الحروف، وآخر يتجاوز ذلك إلى ما يكون تخيله خيراً من تقييده في حدود الكلمات. لقد بذلت كلّ ما في وسعي لنقل هذا النص بروحه ومضمونه، ولكن الترجمة مهما يكن صانعها ماهراً يبقى الركون إليها من باب ترك الأَولى.
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.