استأجر رجل حمالا ليحمل له قفصا فيه قوارير على ان يعلمه ثلاث خصال ينتفع بها ، فرضى الحمال بذلك ، وقال فى نفسه : العلم خير من المال ، فلما بلغ ثلث الطريق ، قال الحمال : هات الخصلة الأولى ، فقال له : من قال لك ان الجوع خير من الشبع فلا تصدقه ، قال : نعم ، ولما بلغ نصف الطريق قال الحمال : هات الثانية ، فقال : من قال لك ان المشى خير من الركوب ، فلا تصدقه ، قال : نعم ، فلما انتهى الى باب الدار ، قال الحمال: هات الثالثة ، فقال : من قال لك انه يوجد حمالا أجهل منك فلا تصدقه ، فرمى الحمال القفص ، وضرب به الارض فكسر القوارير جميعها ، وقال : ومن قال لك انه بقى فى القفص قارورة واحدة فلا تصدقه أبدا.
هذا رجل مكير ومحتال ، يأخذ من الناس ولا يعطيهم ، ويسخر هم ولا يجزيهم ، وانما يسخر منهم ويؤذيهم ، وحمال ضعيف هو اولى بالعطف ، واحق بالرحمة فقد يخرج من داره ان كان له دار ، لا يدرى أيكسب رزق يومه أم يعود آخر النهار فارغ اليدين ، وعلى اية حال فقد ظن بصاحبه خيرا ، ورضى بما عرض عليه من أجر ، مع انه محتاج الى الغذاء الجسمى منه الى الغذاء الروحى ، ولكنه فضل العلم على المال ، ثم نظر فاذا هو لم يسنفد علما ، ولم يزدد معرفة ، فقد ساق اليه صاحبه من لغو الكلام والقول الساقط ما يثير غضب الحليم و اذا بالحمال ينتقم لنفسه فيضرب بالقوارير وجه الارض فيحطمها تحطيما .