على الرغم من مرور قرن وربع القرن على وفاة الأمير عبد القادر الجزائري (٢٣ ايار ١٨٨٣)، قائد الثورة الأولى في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، فلا تزال الأسرار المحيطة بذلك الرجل تتكشف كل يوم، فلا نكاد نجد في الكتب التي تؤرخ للنهضة العربية ذكرا للأمير إلا وهو مرتبط بثورته ضد فرنسا، أو بتصديه للحرب الطائفية بالشام عام 1860 م، أو زياراته العلمية والدعوية المتعددة إلى الأستانة ومصر وباريس، وحصوله على الأوسمة والمنح، فقد كان رجل فكر متبحر في علوم الدنيا والدين، وكانت له آراء خاصة في قضايا العقل والأخلاق واللغة والتصوف، مما يجعله أحد أبرز رجالات النهضة الدينية المبكرين.
ذهب الأمير سعيد حفيد الشيخ عبد القادر إلى الشيوخ وطلب منهم الحكم الشرعي في كلمة قالها الأمير: "سأعود إلى الجزائر حاملا أو محمولا"، يقصد حاملا السيف أو محمولا في النعش، وهي العبارة التي سمحت من منطلق ديني للشيوخ بقبول الفكرة وتدارسوا بينهم استخراج فتوى خاصة لنقل الرفات.
لقد فتح القبر خمسة أشخاص، ومنهم: محمد الفاتح، وميلود قاسم نايت بلقاسم وزير الشؤون الدينية والتعليم الأصلي، ووزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، وحفار القبور الذي أغمي عليه لأنه وجد لحية الأمير عبد القادر لا تزال كما هي عليه في الأصل، أي وجهه على حاله، وأقسموا أنهم اشتموا رائحة مسك وعنبر ووجهه ما يزال عليه اللحم، ولكن القفص الصدري تهاوت عظامه للأسفل حينما لامس الهواء الرفات، ونقلت الطائرة الأولى العسكرية الرفات، يوم 4 جويلية (تموز) 1966.
وفي سوريا يوم مغادرة مطار دمشق، خرج الجيش السوري كله ووجهاء البلد والسياسيون، وتنقل الأمير سعيد مع الوفد الرسمي، يوم 5 جويلية (تموز)، وودّعه أهل الشام كلهم، وهم منزعجون من نقل جثمان الأمير.

(من مقابلة في مجلة الشروق الجزائرية مع السيدة منيرة سعيد الحسني الجزائري)