حامد الزبيدي

مات العبد والحي باق



وقف أمام الجدول في الغروب ورمى القلم في الماء وأخذ بالانسياب ،وودع رحلته المدرسية ووزع أشياءه على أصدقائه وعند صياح الديك ،أيقض أمه ،التي لم تستيقظ من النوم ،شد الحزام ووضع اللثام وأخفى السلاح تحت إبطه ثم خرج من البيت مشى في طريق مظلمة بين بيوت متهدمة محترقة .لا أحد سواه في الطريق حتى الكلاب التي كانت هنا هاجرت عن اوجارها من سياط الجوع والموت ولت هاربة من الإرهاب القادم من هناك. قدحت في ذهنه أفكارا متضاربة في ذلك الشارع الطويل المهجور إلا من بعض الناس الذين كانوا يتطلعون إليه من خلف القضبان وفتحات الأبواب، ينظرون بعيون موحشة لم يدرك معانيها ولم يفهم لغاتها الميتة فقد التمييز بين وجودها ووجوده في ذلك العالم المظلم المسكون بالصمت الرهيب ،شدته إيماءات أيديها المسلوخة عن جلودها .كانت تلوح اليه بالوداع أو الهروب ،تسمر في مكانه ،في ذلك الشارع الطويل وجلا ،وتأمل بتوجس ثم التفت الى الخلف الخالي من كل شيء مريب ،شد أغوار روحه من تلك الهواجس ولم يستجب الى ذلك الصراخ المبحوح وانطلق بالمسير ، فوجيء بقطيع من الخنازير وعلى كل خنزير قرصان،خرجوا اليه من المنعطف المظلم، كانوا يطلقون النيران في الهواء ويصرخون بجنون والكلاب النابحة تتبعهم ، جلس على ركبتيه وواجههم بضراوة حتى نفدت ذخيرته ،قفز فوق السنة النيران وأفل في حلقات الدخان الكثيفة، وطيورا ذات بريق تحوم حوله وترفرف بأجنحة نارية فوق رأسه والقطيع أحاط به سوره في دائرة ضيقة رفع يداه الى الأعلى وكأنه يريد ان يطير الى السماء وأطلق صرخة مدوية: الله اكبر...
ثم ضغط على الحزام المقدس تشظى وطارت الرؤوس ،رؤوس الخنازير والقراصنة والكلاب تصادمت في الهواء وتساقطت نثيثا احمرا وتفجرت العبوات في الطريق واشتعلت النيران .وعند شروق الشمس لاح نعش من أقصى الطريق يشيعه الناس الى مثواه الأخير

25/3/2007