[frame="4 75"]بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرى الاسراء والمعراج لفضيلة الشيخ محمد النابلسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... لابد من أن نقف عند ذكرى الإسراء والمعراج، هذه الذكرى تمر على المسلمين مروراً يشبه أن تكون عادة من عوائدهم، يصوموا في هذا اليوم، ويشاهدوا الاحتفالات، ويستمعوا إلى الخطب، وانتهى الأمر، لذلك ترى أن المسلمين على كثرتهم، وهم يعدّون ألف مليون لا وزن لهم في الأرض، أما أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فعلى قلَّتهم كانوا هداةً للأمم، فالسؤال أنحن رجال وهم رجال ؟ النبي عليه الصلاة والسلام بشر ونحن بشر ؟!
الإنسان حينما يرى هذه العظمة، وهذا الخلق العظيم، وهذه الرفعة وهذا الذكر العلي، كيف يفكر ؟ دائماً هناك تفكير واقعي، وهناك تفكير غير مجدي، لو تصورنا إنسان فقير وله قريب غني، قد يملأ الحديث كله عن هذا القريب الغني ؛ كيف يأكل، أين يذهب، كيف يدعو الناس إلى ولائمه، كيف يسافر، كم ينفق، لباسه، بيته، فالحديث على هذا القريب الغني ماذا يجدي هذا الفقير ؟ الفقير هو هو، والغني هو هو، هذا التفكير غير واقعي. مهما تحدثت عن النبي عليه الصلاة والسلام هو هو ونحن نحن، ولكنك إذا عرفت أن هذا النبي العظيم كان قدوة لنا، كان هذا النبي الكريم هدفاً من أهداف الإنسان في الدنيا، إذا فكرت في مناسبات الإسراء والمعراج مثل هذا التفكير، احتفلت حقاً بذكرى الإسراء والمعراج.
النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى الدنيا وشغلته معرفة الله عز وجل، فحينما كان صغيراً كان يدعى إلى اللعب، له كلمة مأثورة كان يقول عليه الصلاة والسلام حينما كان طفلاً: لم أخلق لهذا، كأن هدفاً كبيراً يشغله، كأن طموحاً كبيراً يملأ ساحته، كأن هماً كبيراً يحمله، لم أخلق لهذا، تعبَّد في غار حراء، انقطع عن الناس، غار حراء لو أنك ذهبت إلى الأماكن المقدسة، وأردت أن تصل إلى غار حراء، لاحتجت بعد ركوب السيارة مسافةً طويلة عن مكة، إلى مشيٍ شاق يزيد عن ساعتين أو ثلاثة ساعات، كي يصل إلى جبل اسمه جبل النور، كان عليه الصلاة والسلام يتعبَّد الأيام ذوات العدد، يوم ويمان وثلاثة، فهذا النبي عليه الصلاة والسلام، هكذا عرف الله عز وجل.
فهل أحدنا له مع الله جلسة ربع ساعة باليوم ؟ هل له ذكره ؟ هل له تفكُّره ؟ هل له تلاوته ؟ هل ينقطع عن الناس ويقبل على الله عز وجل، الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج من هذا القبيل، هكذا كان النبي، باب البطولة مفتوح على مصراعيه، النبي عليه الصلاة والسلام بشر ونحن بشر، الإنسان ألا يطمح أن يكون إنسان عالي الشأن عند الله، أيكتفي أن يكون عالي الشأن في الدنيا، أيكتفي أن يكون همه بطنه، أن يكون همه الدرهم والدينار، أيكتفي بهذا !!
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)﴾
( سورة التوبة )
النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعبَّد الليالي ذوات العدد في غار حراء، في الأربعين جاءه الوحي، يعني نظري، صار مؤهلاً للرسالة، صار مؤهلاً لنشر الحق، لهداية الخلق، جاءه جبريل، قال: اقرأ، قال: لست بقارئ، والقصة المعروفة، عرف النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت وقت نزول الوحي، أنه مبعوث العناية الإلهية، هذه الهموم العالية، التي كان يحملها قلبه الكبير، هذه الأهداف الكبيرة أن يعم الأرض الهدى التي كان يطمح إليها، جاء الوحي مصداقاً لها، دعا قومه إلى عبادة الله عز وجل، حاربه قومه، ضايقوه، شددوا عليه، كذَّبوه، ائتمروا عليه، عذبوا أصحابه، أخرجوهم، هنا السؤال: الله سبحانه وتعالى أليس قادراً أن يخلقه في بيئة لا كافر فيها ؟ سؤال: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام وجد في بيئة كلهم مؤمنون، كلهم آمنوا به، وأحبوه، وعظموه، وبجلوه، وأيدوه، وليس له عدو ؟
النبي عليه الصلاة والسلام انطوى قلبه على كمالٍ عظيمٍ لا يظهر إلا بهذه المضايقات، جاءه جبربل، قال له: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين. قال:
(( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله ))
ضيق عليه قومه، ائتمروا على قتله، حاولوا أن يضيقوا على أصحابه، قاطعوه، هذا كله زاده صلابة:
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
الآن، أنا أصل إلى الإسراء والمعراج، حينما اشتدت عليه المحن، وحينما توفي عمه أبو طالب، وتوفي أقرب الناس إليه، عندئذٍ أسرى الله به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى عُرج به إلى السماء، في السماء رأى من آيات ربه الكبرى..
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾
( سورة النجم )
فيبدو أنه في الإسراء والمعراج عرف أنه سيد الأنبياء، وأنه سيد ولد آدم، وأنه باب الله، وهذا الباب لا ينبغي إلا لواحد من خلقه وهو النبي عليه الصلاة والسلام، النبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله عز وجل، فنحن ربنا عز وجل قال:
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾
( سورة الإسراء )
أنا الذي أريده من هذا الحديث عن الإسراء والمعراج شيءٌ واحد، ما علاقتنا نحن كمؤمنين بالإسراء والمعراج ؟ فهذه آية للنبي عليه الصلاة والسلام:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ﴾
( سورة الإسراء: من آية " 1 " )
هو آية كبرى له، أما نحن ما علاقتنا بالإسراء والمعراج ؟ نحن كبشر لا نرقى إلا إذا عرفنا الله سبحانه وتعالى، " ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء "، الناس غارقون في شهواتهم، غارقون في تجاراتهم، غارقون في أعمالهم، غرقون في أهوائهم، غارقون في ملذاتهم، لو كشف لهم الغطاء لأراهم خسارتهم، لوجدوا أنهم في خسارة لا تعوض، لذلك ونحن أحياء وقبل أن يفوت الأوان، الإسراء والمعراج يذكِّرنا بأن أثمن شيء في الدنيا أن تعرف الله، فإذا عرفته كشف الله على بصيرتك، زادك هدىً..
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾
( سورة الكهف )
إذا عرفته رفع لك ذكرك، ما من إنسان رفع الله مقامه وذكره كالنبي عليه الصلاة والسلام، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله..
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
( سورة الشرح )[/frame]